اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بعض أهل السلطة في بلد عربي عاتبون عليّ، لأنني لا أكتب بلغة عبدة الأوثان، ولا بلغة بببغاءات الشاشات، وهم يرون في الضفدعة الثور، ولا بلغة الأواني الفارغة، دون أن يعني ذلك الدعوة الى جمهورية أفلاطون التي قد لا نراها حتى في العالم الآخر، وحيث "جمهورية الله". ما من دولة في العالم أو في التاريخ، قامت على العدالة التي مثل الأفعى لا تلدغ سوى الحفاة.

حتى بعدما ظهرت "الماغناكارتا"، أي "الشرعة الكبرى"، في أنكلترا بقرون، رأى الروائي الشهير تشارلز ديكنز أنها "كانت خطوتنا الأولى نحو الانسان"، ولم تلبث أن تعثرت. وحين كتب صديقنا دومينيك شوفاليه عن العدالة في العالم العربي، سأل اذا كان التخلف والقهر جزءاً من طقوسنا المقدسة. لا دور لنا حتى دور الذبابة، ان في البيت الأبيض أو في الكرملين، ناهيك عن أي حاضرة سياسية أخرى.

هكذا يفترض بالكاتب أو بالصحافي أن يكون في عداد نافخي القرب في حضرة البلاط، دون القول بتغيير أي نظام، لأن ذلك كمن يقول باعادة آدم الى الجنة على ظهر ناقة. ولكن على الأقل التعامل مع الرعايا كمواطنين لا كخردة بشرية، مع اعترافنا بأن زمن الثورات قد انقضى، حتى اذا رأينا أصحاب الصرخات العارية في الشوارع، كان لحملة السواطير أن يخرجوا من الكهوف باسم الدين،  لتلقف تلك الصرخات والانتقال بها الى الزنزانة.

لو حدثت مجازر غزة في أي منطقة أخرى في العالم لاهتزت هذه المنطقة. لا شيء من ذلك هنا سوى الاحصاء اليومي للشهداء ، وسوى البكاء على القبور. الجوعى هناك يأكلون أكياس البلاستيك. في دنيا العرب، شهر رمضان الذي هو شهر الزهد والتقشف، تحوّل الى مهرجان للبطون. الطباخون جنرالات الشاشات. كان ثمة من يصفنا على المواقع "الاسرائيلية" بـ"عرب الطناجر".

لاحظوا ذلك النوع من الخبراء الاستراتيجيين، بثقافتهم الاستراتيجية التي لا تتعدى ثقافة الماعز، وبتحليلاتهم الدونكيشوتية، كما لو أن الأنقاض لا تكفي لتتكلم، وكما لو أن القبور لا تكفي لتتكلم. أيها السادة الخبراء، غزة تحولت الى جحيم. بأيدينا أهلنا التراب على تلك الأسطورة، التي لو ظهرت في أي مكان آخر لغيّرت مسار الأزمنة.

هنا لا ثقافة العقل ولا ثقافة القلب، ثقافة الألواح الخشبية. أين قادتنا من تلك الظاهرة البربرية حين تتواجد نووياً تحت ثيابنا؟ غريب أننا لم ندرك ما تلك "الاسرائيل"، منذ أن كانت جنازير الدبابات تسحق الجنود المصريين وهم أحياء في شبه جزيرة سيناء، وحتى القاء جثث الأطفال للكلاب في غزة. تصوروا أن الغربان تهيّبت المشهد. لم تقترب من الجثث، وان كنا قد وصفنا بعض أركان الأوركسترا السياسية بالغربان بالياقات البيضاء.

نعلم كيف يصل أباطرة العرب الى عروشهم، وكيف يبقون على عروشهم. عادة، يحدث ذلك في الظل أو في الظلام. في لبنان، وحيث الكثير من الساسة يحترفون الللعبة البهلوانية، وبالدرجة الأولى اللعبة التلفزيونية، يسندون ظهورهم ورؤوسهم الى "اللجنة الخماسية" علّها تصنع لهم رئيساً، حتى ولو كان على شاكلة "شاهد ما شافش حاجة".

هذا بعدما كان السفير الفرنسي الأسبق رينيه آلا قد قال "ان لبنان ينتج اللبنانيين"، كدلالة على التميّز والتألق والابداع. أي لبنانيين حين تتم تعبئتهم سياسياً وطائفياً، ليستظلوا عباءات وسراويل القناصل؟ الجانب الأكثر اثارة للسخرية في هذا السياق، البحث في المواصفات، كأن الذي يتربع سعيداً في قصر بعبدا يوليوس قيصر، وليس برتبة باشكاتب ابان العهد العثماني.

مثل العديد من أهل السلطة في غالبية الدول العربية، العاتبون أو الغاضبون، على كل من لا يجثو خشوعاً أمام تماثيل الشمع، ساستنا الأجلاّء لا يخجلون من الدوران حول "اللجنة الخماسية" التي تدور حول نفسها. التعقيدات الدولية والاقليمية لا تتيح اجراء الاستحقاق الدستوري الآن. بالرغم من ذلك كل من الديكة يصرخ في الجموع أنا هنا. هل أنت أكثر من... دجاجة؟

ثمة عدوى غريبة أو غرائبية تضرب غالبية القادة اللبنانيين، مثلما تضرب غالبية القادة العرب. ذات يوم قال فينا وليم كريستول، وهو أحد منظّري المحافظين الجدد، "سيّان قامت "اسرائيل" أم لم تقم، لستم سوى قبائل كانت تأكل بعضها، وستبقى تأكل بعضها البعض"...

الأكثر قراءة

حزب الله يدشّن أولى غاراته الجوية... ويواصل شلّ منظومة التجسس ترسيم الحدود مع لبنان ورطة اسرائيلية... و«مقايضة» اميركية في رفح!